نشأة التحنيط



 نشأة التحنيط

تثبت أقدم المقابر المصرية , و التى تعود الى ما قبل الألف الثالث ق .م, أن المصريين القدماء آمنوا بإستمرار الحياة بعد الموت حيث إحتوت مدافنهم على هبات جنائزية مختلفة الأنواع. و قد تطور هذا الإعتقاد و إزداد رسوخا ًحتى صار من أهم المؤثرات على الحضارة المصرية.

مفهوم التحنيط :
المراد بتحنيط الموتى هو حفظ جثث الموتى بواسطة مواد كيميائية معينة تحفظ جسم الإنسان و تجعل الجسم يحافظ على مظهرة جتى يفى بمتطلبات بعض طقوس الديانة المصرية القديمة التى تؤخر الدفن لعدة أيام , أو ليستطيع الجثمان تحمل مشقة النقل عندما ينقل الجثمان لمدفنه البعيد المُعد مسبقاً ، و لذلك ظهر التحنيط حتى يمنع تعفن الجثة.

عُرف عن العقيلية المصرية القديمة العلم و التقدم ، فقد كان المصريون القدماء أول من مارس الطب على أسس سليمة ، كما برعوا فى التحنيط إلى حد الإعجاز و مازال العالم الحديث بالرغم مما وصل إليه من تقدم إلا أنه يعجز عن إكتشاف سر التحنيط أو المواد التى أُستخدِمت فيه بدقة ، فلقد حتمت العقائد الدينية فى مصر القديمة حفظ جسد المتوفى و حياتة و إبقائة على شكلة ، حتى يتسنى للروح التردد علية فى مقبرتة ، و أن يعود الى الحياة الحسية مرة أخرى.

يبدأ فى تلك المرحلة سؤال يطرح نفسة و هو : كيف إكتشف المصرى القديم التحنيط ؟؟
تكمن الإجابة على السؤال السابق فى أن المصرى القديم ترك الجثة فوق الرمال الحارة التى تغطيها آشعة الشمس فوجد أن الجثة لا تتحلل سريعاً.

و بالوصول الى إكتشاف المصرى القديم التحنيط , لابد من معرفة لماذا إحتاج المصرى القديم إلى التحنيط ؟ و سرعان ما يطرق الى ذهنك أن تحنيط الموتى من الأسرار الغامضة المحيرة التى إشتهرت بها مصر القديمة , فلماذا بذل مثل هذا المجهود لحفظ الأجسام التى خرجت منها الروح لالالف السنين ؟.

السبب هو أنهم لم يعتبروا الموت هو النهاية ,و إنما هو رحلة خطرة تتناثر خلالها شتى العناصر المكونة للشخص الحى , فيما يحتفظ كل منهما بتكاملة الفردى , فإذا أمكن إعادة إتحادها و وضعها فى الجسم ثانية ، أمكنه ذلك أن يعود الجثمان لحياة جديدة مشابهة جداً للحياه التى قضاها على الأرض ، و مع ذلكك و لتحقيق هذة النتيجة يجب حفظ الجسم الذى هو أضعف كل هذة العناصر و أكثرها عطباً ، فاذا ترك الجسم ليتعفن , ضاع كل أمل فى إتحاد القوى الحيوية و هيكلها الجسدى فى العالم الآخر , فيُحكم على الروح بأن تظل تبحث عبثاً الى الأبد عن جسم لم يعد لة وجود.

و عن الأسباب التى دعت المصرى القديم يلجاء للتحنيط فقد ذكر منها الكثير و من أهمها :
قال "كسبان" أن القدماء المصريين لجأوا إلى التحنيط لأنهم فى أشهر فيضان النيل و عند حدوث وفاة لم يكونوا يستطيعون نقل الجثث إلى المقابر و كان الجنزيين ينتظرون بعد مضى أشهر الفيضان لينقلوا الجثث إلى مقابرها ، فكانت الجثث تتعفن . و أيضاً وجد فى التحنيط  منتهى العناية لحفظ الجثث من التعفن و الإحتياط فى وقاية صحة الاصحاء اللذين ينقلوا الجثمان و يدفنوه.

قال "هيرودوت" أن المصرى القديم قام بالتحنيط من أجل حفظ الجثث من أن تنهشها الوحوش والحيوانات آكلة الجيفة.

قال "ديودور الصقلى" إن قدماء المصريين عرفوا التحنيط بمقتضى عقائد دينية و بمقتضى إعتقاد المصريين و إيمانهم بأنه بعد مضى ثلاثة أو أربع آلاف سنة ستقوم ثوره روحيه عارمة فى العالم تعود بعدها الأرواح إلى أجسادهم التى ستعود بدورها للحياه الأبدية , فأرادوا بالتحنيط حفظ هيكل الإنسان ليكون صالحاً إلى عودة الروح فية كما كان فى نشأتة الأولى.

قال "فولني و باريسي" أن من البواعث علي التحنيط الإحتياط لمنع إنتشار الأمراض المعديه مثل الطاعون , وهى الأمراض التي تنشأ غالباً من تعفن الجثه , فتنتقل في تموجات الهواء الفاسد , و تسري جراثيمها إلى الأصحاء فتضر  بالمجتمع الانساني من حيث لا يشعر.
و أكثر ما يطمئن إليه العقل من هذه الآراء هو أن التحنيط من لوازم العقائد الدينيه التي في سبيلها تحملوا المشاق , و تكبدوا أخطارها بإرتياح قلبي و إنبعاث دائم , فتعمق الكهنه في بحثهم فى هذا المجال حتي وصلو إلي أحكام أعمالهم و سبل إتقانها ، و ساعدهم جفاف الجو و يبوسة الأراضي والرمال في تجفيف الجثث المعرضه للهواء التي لم يستطع ذووها دفنها في هياكل شامخه أو مباني ضخمه.

وكأن الكهنة أرادوا تهيئة الأرواح عند عودتها إلى أشبه ما كانت عليه فى الحياه الفعلية سابقاً بل أكثر من ذلك فقد قاموا بتزيين الموتى وتوابيتهم بحلى و زخارف و ألوان و عطور ثمينة حتى يسهل على الروح التعرف على جسد صاحبها وهو فى صورة جيدة ولكى تسعد بما يظهر عليه من ألوان وجمال وتعود بذلك الروح للجسد فى سعادة وإطمئنان وممتلئة بالبهجة.
يقول "لوكاس" في كتابه عن التحنيط إن البدايه التاريخية لهذا العلم مجهوله و ربما ترجع إلى العام 2700 ق.م ، كما تدل عليه الجثه المحنطه المحفوظه بمتحف كليه الجراحين الملكية بلندن و التي يعود تاريخها الي الأسره الخامسه من عهد الدوله القديمه.

و قد عُثر علي جثث مجففه طبيعياً يرجع تاريخها الي 2300 سنه قبل الميلاد ، و قال البعض أن التحنيط يرجع عهده الي 6000 سنه تقريبا و هو ما يمكن أن يكون رقم مبالغ بعض الشئ.

يُتبع
وشكراً 
 كتبه محمود إبراهيم

المراجع
-------------------------------------
Spencer,A.J.death in ancient Egypt,1982,page 29.
جورج بوزنر ,معجم الحضارة المصرية القديمة ,ترجمة:امين سلامة,1996,ص 324 .
Mummification museum,loxor,SCA,1997,page 3.
فرانسوا دوما ، حضاره مصر الفرعونيه ، ترجمه ماهر جويجاتى ، المجلس الأعلى للثقافة , ص3.
www.eternalegypt.org.eg.
 

No comments:

Post a Comment