الطقوس والمراحل العامة للتحنيط


الطقوس والمراحل العامة للتحنيط[1]
بعد شرحنا لتطور التحنيط بصورة مبسطة وأيضاً تحدثنا عن التحنيط فإننا الآن بصدد الحديث عن عملية التحنيط وخطوات التحنيط وأساليب التحنيط وغيرها ، وهى كانت طريقة بسيطة بعض الشئ ولم يكن فى التحنيط شئ معقد  بالمرة وإنما هى خطواط برع الكاهن المصرى القديم فى التوصل أليها والقيام بها على أكمل وجه محاولاً تجنب الخطأ فيها حتى لا يضر بجسد المتوفى مما يُغضب الروح والإله.

كان التحنيط يجرى على المتوفى بمجرد حدوث الوفاه ، فكان المتوفى بمجرد وفاته يتم نقله إلى "بر وعبت" أو "بر نفر" أو "وعبت وات" وكلها أسماء أطلقت على مكان التحنيط أو ورشة التحنيط بالمعنى الحديث و كل هذه الجمل ترمز لمعنى واحد قريب من بعضه وهى بيت الجمال أو البيت الجميل أو بيت التطهير ،
و لماذا لم يتم التحنيط فى بيت المتوفى ؟؟ الأجابة هنا تكمن فى مراسم العزاء من خلال أنه بمجرد وفاة الشخص فإن أهله وأقاربه كانت تأتى وتقيم فى منزل المتوفى مدة تصل إلى 30 يوم و هى ما كان يجعل عملية التحنيط صعبة جداً.

لذلك كان يُرسل المتوفى إلى ورشة التحنيط و كان أهل المتوفى يذهبون مع المتوفى إلى مكان التحنيط كى يحددوا نوع التحنيط و نوع الدفنة التى سوف تُقام ، و ذلك لأن التحنيط كان له ثلاث درجات أو فئات (العامة من الشعب - النبلاء والوزراء - الملوك ) وهى بالترتيب التصاعدى و كانت هذه الطبقات تختلف فى الخامات ، وأنواع الراتنج المستخدمة ، و الأقمشة ، و الزيوت ، و العطور ،وأيضاً طبيعة التحنيط من خلال طريقة لف الكتان على المتوفى ، والتعاويز المكتوبة ، و أيضاً طريقة إستخراج الأحشاء.

بعد أن يحدد أهل المتوفى سعر التحنيط أو مرتبة المتوفى ، يشرع المحنطين فى بدأ عملية التحنيط والتى سنتناولها بالشرح على إعتبار ما كان يجرى فى عملية تحنيط الملوك بصفة عامة.

بعد الوفاه مباشرةً أول ما كان يحدث هو إستخدام آلة السباتيولا فى إستخراج المخ من خلال حقن الجمجمة بزيت الأرز وزيوت مزيبة من أجل إضعاف أنسجة المخ ، و بإستخدام تلك الآلة كان يتم تقطيع المتبقى من أنسجة المخ و بعدها يخرج المخ فى صورة سوائل لزجة من فتحة الأنف و أحياناً كان يخرج من فتحة فى أسفل رأس الجمجمة كما حدث فى الدولة الحديثة ومومياء الملك توت عنخ آمون.

وبعد إستخراج المخ والذى لم يكن له أهمية فى العالم الآخر كان يتم بدأ نقع الجسد فى النطرون و لكن بعد فتح فتحة فى الخصر من أجل إستخراج الأحشاء و الأمعاء و القلب والرئتين والكلي والكبد ويتم نقع كل هذه الأشياء فى ملح النطرون وغسلها جيداً و الجسد أيضاً كان يتم حشوه بالنطرون مدة لا تقل عن 40 يوم ولا تزيد عن 70 يوم كما ذكر لنا هيرودوت ، أيضاً كان بعد إنتهاء النطرون من عمله و بعد تبخير السوائل الموجودة فى الجسم يبدأ المحنط فى لف القلب و كتابة عليه تعويزة القلب و يقوم بإعادته إلى مكانه فى الجسد و أيضاً الكليتين يتم لفهم وإعادتهم للجسد مرة أخرة و كان القلب يُعاد و ذلك لما له من أهمية فى عملية ميزان القلب بينما الكليتين لم يكن هناك سبب معروف لهم وإنما فى رأينا أن الكليتين بما أنها هى التى تنقى الجسد من السموم فى الحقيقة فإن المصرى القديم كان قد توصل إلى ذلك وأراد منها ان تقوم بنفس دورها فى الحياه الآخرى وتنقى جسد الملك من المساوئ والزنوب.

وبعد ان يتم إعادة القلب والكليتين إلى مكانهم يتم إغلاق فتحة الخصر بشمع النحل و الراتنج وأحياناً كانت تخاط بخيط من الكتان وبعد ذلك كانت تغلق بالراتنج و كان يرسم عليها علامة الجد و التى ترمز للإلاه أوزير إله العالم الآخر عند المصرى القديم ولتكون كقفل الجسد ، و كانت تسد كل فتحات الجسد بالراتنج ونشارة الخشب ، و كان الجسد يتم حشوه بالعطور والزيوت والدهون العطرية والحناء فى بعض الأحيان و غيرها من المواد العطرية وأيضاً كان الكتان يتم تجهيزه فى هذه الأثناء فبعد أن يتم غلق فتحة الخصر كانت يبدأ آخر فى لف الأحشاء فى الكتان ووشعها فى الآنية الأربعة وهى الآنية الكانوبية ، ويبدأ الكهنة فى لف المتوفى بعد ذلك بلفائف الكتان بصورة دقيقة جداً حيث كان يلف طرف الكتان ويكتب عليه تعويزة ثم يدهن بالراتنج و يلف عليه ويكمل وهكذا إلى أن تلف المومياء كلها بالكتان و تكون محاطة بتعاويز من كل جانب.

هذه العملية جرت فى مدة غير محددة فلم تذكر لنا أى بردية أى زمن محدد للتحنيط وإنما إعتبر البعض ان مدة ال70 يوم الخاصة بنقع الجسد فى حمام النطرون هذه هى مدة التحنيط و كما ورد لنا فى كتابات هيرودوت و لكن يجب الحذر من هيرودوت فى هذه المرحلة فقد زار هيرودوت مصر بعد تطور التحنيط فى الدولة الحديثة بحوالى أكثر من سبع أسر أو أكثر أى ربنا تكون هناك إختلافات عن ما كانت عليه فى الدولة الوسطى أو الحديثة.

و فى المجمل فإن المتوفى تم وضعه ربما فى ملح النطرون لمدة أربعين يوم ثم تم لف المتوفى بالكتان و إعادة أحشائه له سواء القلب والكليتين فى الجسد أو الباقى فى الآنية الكانوبية الأربعة و ذلك فى 10 أيام تقريباً و تبقى لنا 20 يوم يتم فيهم كتابة التعاويز وتلاوة الصلوات على المتوفى وإن كان له معبد او هرم للدفن فإنها كانت تقضى فى مراسم صعود الطريق الصاعد.



كتبه
محمود إبراهيم

[1] احمد صالح ، التحنيط ، جماعه حور الثقافه ، القاهره ، الطبعة الأولى ، 2000 ، ص52:40.
الصورة اعلاه تمثل البا او الروح المجنحة للملك وهى من نقوش مقبرة الملك سيتى الأول "الدولة الحديثة"

No comments:

أشهر مقالاتنا

PROTECTION : Thanks For Your Support -->